سعود الخلاوي
01-30-2012, 11:40 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رمز السلام وحنين للأوطان ورسول غرام
الحمام الزاجل
http://www.9o9i.com/upfiles/cz648381.gif (http://www.9o9i.com/)
يحلق في العالي، قاطعاً مسافات ومسافات، عابراً قارات ومحيطات، رمز هو للسلام، وله في لغة الشعراء ألف مكان ومكان، رمز للحنين إلى الأوطان، ورسول غرام بين العاشقين في كل زمان، وقديماً كان للعرب ساعي بريد ومرسال، وفي الحروب موصل للمعلومات والأخبار، هو الزاجل بين أنواع الحمام.
الحمام الزاجل مميز من حيث الشكل وإعجاز الخلق، تعددت أسماؤه،
فمنها الورقاء والقماري، الوارش والدباس، ألوانه متعددة، فمنه أبيض اللون، وأسود أبنوسيّ، أزرق سماوي مزركش بالرمادي على الأجنحة والذيل، بني محمر،
جميل الشكل وخفيض الصوت
، يسابق الصوت في سرعته متحدياً فكرة المكان والزمان،
طاوياً المسافات مقدماً للإنسان كل الخدمات
، يسبح ربه في الصباح والمساء،
ويستعين بطريقة فطرته-في إعجاز الله سبحانه وتعالى في خلق الزاجل ـ
يستعين بهذه القدرات الخارقة التي حيرت العلماء
، ويطير.. ويطير ويطير.
فما هي قصة الحمام الزاجل تلك التي جعلته مميزاً،
بطلاً حربياً تارة وبطلاً في السينما والدراما تارة أخرى،
وبطولة مطلقة في قصائد الشعراء العرب،
وفي سجل تاريخهم؟
إنها قصص مثيرة بحق، جديرة بالتسطير.. فمعاً نبدأها.
وكلمة »زاجل« تنحدر من »الزجل
« أي الطير بعيداً ويقال في اللغة يزجلها زجلاً، وتاريخياً له حكايات، وفي قصص الأنبياء له مكان،
فسيدنا نوح عليه السلام أطلق الحمام من فلكه الذي يبحر في الطوفان على دفعتين،
فعادت إليه حمامة وفي فمها غصن زيتون أخضر،
فاستدل به سيدنا نوح على انتهاء الطوفان
ومن هنا أصبح الحمام الزاجل رمزاً للسلام حتى يومنا هذا.
وأشهر حمامة زاجلة
هي تلك التي سكنت غار ثور الذي دخله رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وصاحبه أبو بكر الصديق،
حتى توهم المشركون بأن الغار لا يوجد فيه أحد
، وإلاّ لما وجدت هذه الحمامة راقدة على بيضها،
ويعتبر حمام مكة امتداداً لحمامة غار ثور
، وهو الحمام الأكثر هدوءاً وسلاماً.
وللعرب مع الحمام الزاجل تاريخ طويل،
فهم من أوائل الأمم التي عرفت أهميته وطرق تربيته ورعايته وتدريبه،
واهتمت بأنسابه وكتبت الكتب المختلفة التي تلقي الضوء على كل خصائصه ومميزاته وطبائعه وأمراضه ووصف طرق علاجه.
وكان البريد الذي أسسه العرب القدامى يعتمد على الخيل والجمال،
وتبادل الإشارات بالنيران والدخان والطبول والمرايا في إرسال الأخبار والمعلومات خلال الحروب،
ومع التقدم واتساع رقعة الخلافة الإسلامية وزيادة وامتداد الفتوحات الإسلامية
التي وصلت إلى حدود الصين،
ومع ازدياد مصادر الثروة وكثرة مؤسسات الدولة ودواوينها
، أصبح لابد من وسيلة أكثر سرعة لذلك أدخل الخلفاء العباسيون استخدام الحمام الزاجل
في نقل البريد، لما يمتاز به من سرعة فائقة
بالإضافة إلى انخفاض تكلفة تربيته مقارنة بالجياد والجمال.
ولتكاثره السريع وزيادة أعداده وسهولة تدريبه
لأنه في حد ذاته إعجاز في الخلق الذي يمكنه من الطيران دون حاجة إلى مرشد،
ودقته في الوصول إلى أهدافه،
وقد تنافس العرب على امتداد التاريخ في اقتنائه والعناية به وتوسيع دوره وتحسين نسله،
فأخصوه لمراقبة دقيقة، ونظموا له السجلات الخاصة بحركته، وخصصوا له المربيين ذوي الأجور العالية.
ويروى أن المعتصم علم بانتصار جيشه على »بابك الحزمي«
والسبب يرجع إلى نقل المعلومات عن طريق الحمام الزاجل إلى دار الخلافة في سامراء،
وقد وصل وقتذاك ثمن الطائر الواحد من الحمام الزاجل إلى سبعمئة دينار
وبيض حمامه منه في خليج القسطنطنية بألف دينار.
ولكن الفاطميين تجاوزوا العباسيين باهتمامهم بالحمام الزاجل،
بابتكارهم الوسائل المتفردة للتغلب على إمكانية وقوعه بأيدي العدو،
وذلك باستحداث شفرة خاصة معقدة لا يستطيع العدو فك رموزها.
وعن الحمام الزاجل حكايات كثيرة،
ففي الحرب العالمية الثانية،
وعند هجوم الألمان على بلجيكا اصطحب المظليون الحمام الزاجل المدرب خلف جيوش الحلفاء،
ثم أطلقوه بعد ذلك مع رسائل عن نتائج عمليات التجسس التي نجحوا في الحصول عليها،
وفي فرنسا
أجريت مؤخراً مناورات اشترك فيها الحمام الزاجل
في إطار تدريبي على إمكانية استخدامه في عمليات الاتصال،
ولكن لم يصل العلماء حتى الآن إلى حل جذري أو نظرية مثبتة
عن كيفية معرفة الحمام الزاجل موطنه الأصلي
ويبقى هذا الطائر موضوعاً يحير الباحثين والعلماء.
ولأن إعجاز الخلق وراء المقدرة الخرافية لهذا الطائر،
زاد ذلك من تصميم العلماء على امتداد العالم من وضعه تحت البحث
وإدخاله المعامل ووضعه تحت عدسات المجهر،
وإجراء أبحاث مستفيضة عليه للتوصل ولو لجزئية بسيطة
قد تكشف بعضا من أسرار الزاجل المتحدي للزمان والمكان معاً
بقدرة الخالق عز وجل.
وقد استطاع العلماء الألمان بجامعة فرانكفورت
إجراء الأبحاث المستفيضة لفهم ظاهرة الملاحة عند الحمام الزاجل
، وعمله كساعي بريد مدرب لا يضل الطريق ولا يُخطئ الهدف،
إلاّ إذا تعرض لكارثة تعيق رحلته.
وقد كانت الفكرة السائدة عند الإنسان قديماً
هو اهتداء الحمام الزاجل لطريقه بفضل ما يعرف بالبوصلة الكيميائية
التي تعتمد على قوة الملاحظة والذاكرة الجغرافية،
والارتباط الوثيق بموطنه وبيئته
، الأمر الذي جعل الإنسان يروضه ويدربه ويستأنسه ويستفيد من مزاياه المتعددة المعجزة.
وما توصل إليه العلماء الألمان
في كيفية جعل الحمام الزاجل ساعي بريد مميز،
منها:
* اعتماد الحمام الزاجل على ميل الشمي
كمؤشر في تحديد اتجاهه
وذلك لامتلاكه ساعة بيولوجية حيوية بداخله
مرتبطة بتعاقب الليل والنهار،
وعند التلاعب بهذه الساعة
يتعريض الحمام لضوء صناعي
قوي تظن إن النهار قد طال في هذه الحالة
وعند طيرانها تتخذ اتجاهاً خاطئاً،
ولكنها تصححه فيما بعد،
وبالتالي فإن الشمس والضوء الطبيعي لها تفيد الحمام الزاجل
في إعطائه مؤشراً على الاتجاه الصحيح.
* كما توصل العلماء الألمان كذلك إلى
وجود بلورات مغناطيسي داخل رأس الحمام الزاجل،
وذلك في العام 1979 متمركزة في أسفل الجمجمة
ضمن نسيج يبلغ سمكه (1 ـ 2مم)
وهذه الجزئيات عند استخراجها للدراسة
تبين بأنها تتكون من بلورات أكسيد الحديد المغناطيسي،
ويبلغ عددها عشرة ملايين جزئ في النسيج الدماغي
المرتبط ارتباطاً وثيقاً مع العصب المسؤول عن نقل السيالات العصبية الشمية،
وكل ذرة من أكسيد الحديد المغناطيسي تتصرف
وكأنها مغناطيس صغير.
ومن هنا يكون دماغ الحمام الزاجل قادراً على تخزين وجهة الطيران في الذاكرة
، ووجد العلماء الألمان
أن حساسية هذه البلورات تجاه أي تقلبات في شدة المجال المغناطيسي الأرضي
مهما كانت ضعيفة هي حساسية دقيقة تساعد الحمام الزاجل
على المقارنة بين شدة المجال المغناطيسي في الأرض
التي يتوجه إليه وشدته في موطنه الأصلي.
وعند مراقبة النشاط الدماغي للحمام الزاجل أثناء رحلته
أثبت فريق من علماء الطيور في إيطاليا،
بأن معالجة المعلومات المكانية تجرى في جزء من دماغ الزاجل يعرف باسم »قرن آمون«»«Hippocanpus«،
ويقع في الفص الصدغي من الدماغ
الذي يساعد الحمام الزاجل في ترجمة المعلومات التي ترددها من حواسها.
وقد توصل العلماء الألمان والعلماء الإيطاليون إلى
وجود نوع من الخلايا العصبية عند مقدمة المنقار بها جزئيات مغناطيسية
من صنفين مختلفين من الحديد الممغنط،
يضمن له معرفة وتحديد الاتجاه بالاعتماد على المجال المغناطيسي الأرضي
، ومنقار الحمام الزاجل به دقة شديدة للنظام الملاحي المغناطيسي
وهو سر من أسرار الإعجاز الخلقي لهذا الطائر.
بالإضافة إلى أن الزاجل
يعتمد على كل الحواس الطبيعية بجسمه،
فحاسة الشم تستخدم في رسم خريطة لبيت وموقع الطائر،
وتربط به الروائح التي تستقبلها من الهواء،
وبالتالي فهي قادرة على اتباع تسلسل تلك الروائح التي تحدد من خلالها موقعها،
وعند التلاعب بهذه الحاسة ـ الشم ـ بطريقة سلبية
فإنها تضل طريقها.
والعلم أثبت أيضاً،
بأن الزاجل يتمكن من تحديد المواقع بالاعتماد على حاسة السمع، فالدراسات أكدت على أن هذه النوعية المتفردة من الحمام الزاجل،
تسمع أصواتاً ذات تردد منخفض جداً لا يشعر به الإنسان،
فيمكن للحمام تحديد خريطة سمعية لموقعها
تشمل الأصوات ذات التردد المنخفض الناتج عن أمواج البحر
وعن الرياح، وحتى عن النشاط الزلزالي للأرض.
كما تعتمد حاسة النظر القوية على رسم خريطة لمختلف المعالم
ذات العلاقة بالمباشرة بطريقها وبوجهتها النهائية.
ولمعرفة الدقة في تحديد المسار والطريق المتبع،
استعان الباحثون بأجهزة علمية تتيح (نظام التوقيع العالمي gps) المرتبط بالأقمار الصناعية
، عند إلصاقها على ظهر الحمام الزاجل لمتابعة مسارها في رحلتها.
وقد أثبتت شركة تعمل بتكنولوجيا المعلومات في جنوب أفريقيا،
إنه من الأسرع لها استخدام الحمام الزاجل في نقل المعلومات
عن إرسالها باستخدام خدمة الانترنت المحلية.
وذكر المتحدث باسم الشركة »بيتربول
«، بأن ذكر الحمام الزاجل استغرق ساعة وثماني دقائق
في نقل كارت ذاكرة سعته 4 »جيجابايت
« مثبت على ساقة في تنقله بين مكتبين لشركة »إنليمتد أي.تي
« يفصل بينهما 80 كيلومتراً،
واستغرقت العملية كلها،
من نقل الكارت ثم تفريغه بعد ذلك على جهاز الكمبيوتر مدة ساعتين وست دقائق و57 ثانية،
وهو الوقت نفسه الذي استغرقه نقل 4% من المعلومات باستخدام خدمة الانترنت المحلية.
ويتوقع مدرب الحمام الزاجل بمكان ومقر الشركة
، أن المزيد من التدريب سيمكن الطائر من توصيل المعلومات في 45 دقيقة.
يبدأ تدريب الحمام الزاجل على الطيران
عند اكتمال خمسة أسابيع من عمره،
عندما تكون الطيور جائعة،
ولمدة أقل من ساعة أي نصف ساعة على الأقل،
ويتم جلبها عن طريق إشارة وقت التغذية إلى أماكن أقفاصها،
حيث يتم السماح للحمام بالطيران مرتين على الأقل في اليوم
، وتستمر هذه العملية لمدة من ستة إلى ثمانية أسابيع
لكي يستطيع الحمام معرفة المنطقة التي تحيط به،
ويتم زيادة المسافة تدريجياً .
حيث توضع الطيور في قفص خاص
قبل إرسالها إلى المسافة البعيدة بيوم واحد،
وينصح أخذ الحمام لمسافة 2 كيلومتر من المسكن،
ويطلق الواحد تلو الآخر،
وبعد أيام قليلة تؤخذ الطيور لمسافة 4 كيلومترات ثم إلى 7 كيلومترات عن المسكن،
ثم يتم زيادة المسافات إلى أن تصل إلى 200 كيلومتر.
وهذه التدريبات
تزيد من تقوية عضلات وأعضاء جسم الطائر
التي تمكنه من اجتياز المسافات الطويلة،
بالإضافة لتقوية ذاكرته،
وعدم الخوف من السباق والاعتماد على نفسه.
ومن المميزات التي لابد من توافرها في الحمام الزاجل
، أن يكون منقاره رفيعاً ولونه أسود،
والفكان قويين ومستقيميي الحواف،
بحيث ينطبقان بقوة على بعضهما،
وأن تكون العينان حمراوين أو زيتية
مع هالة بيضاء حول الجفن،
وأن يكون الذيل قعيداً رفيعاً،
ويكون أطول من الأجنحة بمقدار السواد الموجود بالذيل،
ولابد وأن تكون الأرجل قصيرة
وقوية ومنتظمة وخالية من الريش
وأن تمتاز الريشة في الأجنحة بالقوة والصلابة عريضة وقوية.
ومن الشعر للفن السابع
، كان للحمام الزاجل الحضور المميز الذي يوظف العديد من معاني المشاهد
ويصعد الحدث والتعبير الدرامي
، ومن أهم الأفلام التي ظهر فيها الحمام الزاجل،
فيلم »عودة مواطن« بطولة يحيى الفخراني وميرفت أمين وأحمد عبدالعزيز وشريف منير،
سيناريو وحوار عاصم توفيق من إخراج محمد خان.
وظهور الحمام الزاجل في الفيلم
له بُعد سياسي لعبه بجدارة شريف منير
الذي كان منضماً لخلية تستخدم نقل المعلومات عن طريق الحمام الزاجل،
وتم اكتشافها من قبل بعض الذين أبلغوا عنه،
ويعكس الفيلم المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
في المجتمع المصري في الثمانينات من القرن الماضي.
وعلى البُعد الفلسفي،
فالحمام، مثله مثل أي طائر محلق،
يرمز لفكرة التحرر والانعتاق، وتحرير الفكر حتى يبدع ويتسامى.. جميعنا يحتاج للحظات يحلق فيها في العالي
، فمنه تكون كل المشاهد أوضح.. أجمل.. وربما أرقى. سباقات الحمام الزاجل
يعتبر رياضة الحمام الزاجل من الرياضات الممتعة
والتي تتطلب مهارة في تدريبه وتكنيك وأداء عالٍ
يهدف لدخول الحمام الزاجل في السباقات العربية والعالمية،
والتي تم حصد الجوائز المادية والعينية،
وقد استطاع الحمام الزاجل إثبات موهبته وتفوقه بطريقة استثنائية
ولهذا السبب يعشقه الملايين من الهواة والمحترفين
في تدريبه وتربيته في كل أنحاء العالم، وينظمون له السباقات المختلفة.
ومع الاستمرار في ممارسة سباقات الحمام الزاجل
، فقد تم تطوير مقدرته على الأداء العال لحمام خاص بالسباقات بعيدة المدى،
وظهور أجيال من الزاجل متخصصة في السباقات الشاقة
وقد سميت هذه السلالات بأسماء المربين والمدربين لها.
تبدأ سباقات الحمام الزاجل في دول الخليج العربي
في شهر نوفمبر وحتى نهاية شهر مارس من كل عام،
وفي السعودية تعتبر مزارع »المسرة«
أكبر مركز في العالم العربي في إنتاج سلالات نادرة من الحمام الزاجل.
صفات نادرة
* يتميز الحمام الزاجل بصفات سلوكية فطرية نادرة
تجعل له خصوصيته بين كل أنواع الطيور الأخرى،
فهو هادئ المزاج يكسره الإزعاج،
شديد الشغف بعضه لبعض،
يعشق صغاره وحريص عليها حرصاً شديداً،
شديد الحب لوطنه ومكان تربيته
، يتميز بذاكرة ثاقبة حديدية.
* يحب مدربه ويطيعه،
سريع التعلم، قليل الأكل،
يفضل أن يعيش في مجموعات كبيرة،
الألفة ومد الجسور فيما بينه وبين أفراد أسرته قوية.
* العناية به تأخذ شكل تدوين صفاته
وتاريخ التزاوج وتواريخ وضع البيض وتواريخ الفقس.
* طيور السباقات تتغذى بأغذية خاصة
تعتمد على خليط من الأعشاب والبروتين والكالسيوم
وقشور بعض من أنواع الأسماك.
* تقطع طيور الحمام الزاجل
ما بين 128 إلى 968 كم في اليوم الواحد
وبسرعة تزيد على 96كم/ساعة الواحدة.
استخدم الإغريق الحمام الزاجل قبل نحو خمسة آلاف عام تقريباً.
رمز السلام وحنين للأوطان ورسول غرام
الحمام الزاجل
http://www.9o9i.com/upfiles/cz648381.gif (http://www.9o9i.com/)
يحلق في العالي، قاطعاً مسافات ومسافات، عابراً قارات ومحيطات، رمز هو للسلام، وله في لغة الشعراء ألف مكان ومكان، رمز للحنين إلى الأوطان، ورسول غرام بين العاشقين في كل زمان، وقديماً كان للعرب ساعي بريد ومرسال، وفي الحروب موصل للمعلومات والأخبار، هو الزاجل بين أنواع الحمام.
الحمام الزاجل مميز من حيث الشكل وإعجاز الخلق، تعددت أسماؤه،
فمنها الورقاء والقماري، الوارش والدباس، ألوانه متعددة، فمنه أبيض اللون، وأسود أبنوسيّ، أزرق سماوي مزركش بالرمادي على الأجنحة والذيل، بني محمر،
جميل الشكل وخفيض الصوت
، يسابق الصوت في سرعته متحدياً فكرة المكان والزمان،
طاوياً المسافات مقدماً للإنسان كل الخدمات
، يسبح ربه في الصباح والمساء،
ويستعين بطريقة فطرته-في إعجاز الله سبحانه وتعالى في خلق الزاجل ـ
يستعين بهذه القدرات الخارقة التي حيرت العلماء
، ويطير.. ويطير ويطير.
فما هي قصة الحمام الزاجل تلك التي جعلته مميزاً،
بطلاً حربياً تارة وبطلاً في السينما والدراما تارة أخرى،
وبطولة مطلقة في قصائد الشعراء العرب،
وفي سجل تاريخهم؟
إنها قصص مثيرة بحق، جديرة بالتسطير.. فمعاً نبدأها.
وكلمة »زاجل« تنحدر من »الزجل
« أي الطير بعيداً ويقال في اللغة يزجلها زجلاً، وتاريخياً له حكايات، وفي قصص الأنبياء له مكان،
فسيدنا نوح عليه السلام أطلق الحمام من فلكه الذي يبحر في الطوفان على دفعتين،
فعادت إليه حمامة وفي فمها غصن زيتون أخضر،
فاستدل به سيدنا نوح على انتهاء الطوفان
ومن هنا أصبح الحمام الزاجل رمزاً للسلام حتى يومنا هذا.
وأشهر حمامة زاجلة
هي تلك التي سكنت غار ثور الذي دخله رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وصاحبه أبو بكر الصديق،
حتى توهم المشركون بأن الغار لا يوجد فيه أحد
، وإلاّ لما وجدت هذه الحمامة راقدة على بيضها،
ويعتبر حمام مكة امتداداً لحمامة غار ثور
، وهو الحمام الأكثر هدوءاً وسلاماً.
وللعرب مع الحمام الزاجل تاريخ طويل،
فهم من أوائل الأمم التي عرفت أهميته وطرق تربيته ورعايته وتدريبه،
واهتمت بأنسابه وكتبت الكتب المختلفة التي تلقي الضوء على كل خصائصه ومميزاته وطبائعه وأمراضه ووصف طرق علاجه.
وكان البريد الذي أسسه العرب القدامى يعتمد على الخيل والجمال،
وتبادل الإشارات بالنيران والدخان والطبول والمرايا في إرسال الأخبار والمعلومات خلال الحروب،
ومع التقدم واتساع رقعة الخلافة الإسلامية وزيادة وامتداد الفتوحات الإسلامية
التي وصلت إلى حدود الصين،
ومع ازدياد مصادر الثروة وكثرة مؤسسات الدولة ودواوينها
، أصبح لابد من وسيلة أكثر سرعة لذلك أدخل الخلفاء العباسيون استخدام الحمام الزاجل
في نقل البريد، لما يمتاز به من سرعة فائقة
بالإضافة إلى انخفاض تكلفة تربيته مقارنة بالجياد والجمال.
ولتكاثره السريع وزيادة أعداده وسهولة تدريبه
لأنه في حد ذاته إعجاز في الخلق الذي يمكنه من الطيران دون حاجة إلى مرشد،
ودقته في الوصول إلى أهدافه،
وقد تنافس العرب على امتداد التاريخ في اقتنائه والعناية به وتوسيع دوره وتحسين نسله،
فأخصوه لمراقبة دقيقة، ونظموا له السجلات الخاصة بحركته، وخصصوا له المربيين ذوي الأجور العالية.
ويروى أن المعتصم علم بانتصار جيشه على »بابك الحزمي«
والسبب يرجع إلى نقل المعلومات عن طريق الحمام الزاجل إلى دار الخلافة في سامراء،
وقد وصل وقتذاك ثمن الطائر الواحد من الحمام الزاجل إلى سبعمئة دينار
وبيض حمامه منه في خليج القسطنطنية بألف دينار.
ولكن الفاطميين تجاوزوا العباسيين باهتمامهم بالحمام الزاجل،
بابتكارهم الوسائل المتفردة للتغلب على إمكانية وقوعه بأيدي العدو،
وذلك باستحداث شفرة خاصة معقدة لا يستطيع العدو فك رموزها.
وعن الحمام الزاجل حكايات كثيرة،
ففي الحرب العالمية الثانية،
وعند هجوم الألمان على بلجيكا اصطحب المظليون الحمام الزاجل المدرب خلف جيوش الحلفاء،
ثم أطلقوه بعد ذلك مع رسائل عن نتائج عمليات التجسس التي نجحوا في الحصول عليها،
وفي فرنسا
أجريت مؤخراً مناورات اشترك فيها الحمام الزاجل
في إطار تدريبي على إمكانية استخدامه في عمليات الاتصال،
ولكن لم يصل العلماء حتى الآن إلى حل جذري أو نظرية مثبتة
عن كيفية معرفة الحمام الزاجل موطنه الأصلي
ويبقى هذا الطائر موضوعاً يحير الباحثين والعلماء.
ولأن إعجاز الخلق وراء المقدرة الخرافية لهذا الطائر،
زاد ذلك من تصميم العلماء على امتداد العالم من وضعه تحت البحث
وإدخاله المعامل ووضعه تحت عدسات المجهر،
وإجراء أبحاث مستفيضة عليه للتوصل ولو لجزئية بسيطة
قد تكشف بعضا من أسرار الزاجل المتحدي للزمان والمكان معاً
بقدرة الخالق عز وجل.
وقد استطاع العلماء الألمان بجامعة فرانكفورت
إجراء الأبحاث المستفيضة لفهم ظاهرة الملاحة عند الحمام الزاجل
، وعمله كساعي بريد مدرب لا يضل الطريق ولا يُخطئ الهدف،
إلاّ إذا تعرض لكارثة تعيق رحلته.
وقد كانت الفكرة السائدة عند الإنسان قديماً
هو اهتداء الحمام الزاجل لطريقه بفضل ما يعرف بالبوصلة الكيميائية
التي تعتمد على قوة الملاحظة والذاكرة الجغرافية،
والارتباط الوثيق بموطنه وبيئته
، الأمر الذي جعل الإنسان يروضه ويدربه ويستأنسه ويستفيد من مزاياه المتعددة المعجزة.
وما توصل إليه العلماء الألمان
في كيفية جعل الحمام الزاجل ساعي بريد مميز،
منها:
* اعتماد الحمام الزاجل على ميل الشمي
كمؤشر في تحديد اتجاهه
وذلك لامتلاكه ساعة بيولوجية حيوية بداخله
مرتبطة بتعاقب الليل والنهار،
وعند التلاعب بهذه الساعة
يتعريض الحمام لضوء صناعي
قوي تظن إن النهار قد طال في هذه الحالة
وعند طيرانها تتخذ اتجاهاً خاطئاً،
ولكنها تصححه فيما بعد،
وبالتالي فإن الشمس والضوء الطبيعي لها تفيد الحمام الزاجل
في إعطائه مؤشراً على الاتجاه الصحيح.
* كما توصل العلماء الألمان كذلك إلى
وجود بلورات مغناطيسي داخل رأس الحمام الزاجل،
وذلك في العام 1979 متمركزة في أسفل الجمجمة
ضمن نسيج يبلغ سمكه (1 ـ 2مم)
وهذه الجزئيات عند استخراجها للدراسة
تبين بأنها تتكون من بلورات أكسيد الحديد المغناطيسي،
ويبلغ عددها عشرة ملايين جزئ في النسيج الدماغي
المرتبط ارتباطاً وثيقاً مع العصب المسؤول عن نقل السيالات العصبية الشمية،
وكل ذرة من أكسيد الحديد المغناطيسي تتصرف
وكأنها مغناطيس صغير.
ومن هنا يكون دماغ الحمام الزاجل قادراً على تخزين وجهة الطيران في الذاكرة
، ووجد العلماء الألمان
أن حساسية هذه البلورات تجاه أي تقلبات في شدة المجال المغناطيسي الأرضي
مهما كانت ضعيفة هي حساسية دقيقة تساعد الحمام الزاجل
على المقارنة بين شدة المجال المغناطيسي في الأرض
التي يتوجه إليه وشدته في موطنه الأصلي.
وعند مراقبة النشاط الدماغي للحمام الزاجل أثناء رحلته
أثبت فريق من علماء الطيور في إيطاليا،
بأن معالجة المعلومات المكانية تجرى في جزء من دماغ الزاجل يعرف باسم »قرن آمون«»«Hippocanpus«،
ويقع في الفص الصدغي من الدماغ
الذي يساعد الحمام الزاجل في ترجمة المعلومات التي ترددها من حواسها.
وقد توصل العلماء الألمان والعلماء الإيطاليون إلى
وجود نوع من الخلايا العصبية عند مقدمة المنقار بها جزئيات مغناطيسية
من صنفين مختلفين من الحديد الممغنط،
يضمن له معرفة وتحديد الاتجاه بالاعتماد على المجال المغناطيسي الأرضي
، ومنقار الحمام الزاجل به دقة شديدة للنظام الملاحي المغناطيسي
وهو سر من أسرار الإعجاز الخلقي لهذا الطائر.
بالإضافة إلى أن الزاجل
يعتمد على كل الحواس الطبيعية بجسمه،
فحاسة الشم تستخدم في رسم خريطة لبيت وموقع الطائر،
وتربط به الروائح التي تستقبلها من الهواء،
وبالتالي فهي قادرة على اتباع تسلسل تلك الروائح التي تحدد من خلالها موقعها،
وعند التلاعب بهذه الحاسة ـ الشم ـ بطريقة سلبية
فإنها تضل طريقها.
والعلم أثبت أيضاً،
بأن الزاجل يتمكن من تحديد المواقع بالاعتماد على حاسة السمع، فالدراسات أكدت على أن هذه النوعية المتفردة من الحمام الزاجل،
تسمع أصواتاً ذات تردد منخفض جداً لا يشعر به الإنسان،
فيمكن للحمام تحديد خريطة سمعية لموقعها
تشمل الأصوات ذات التردد المنخفض الناتج عن أمواج البحر
وعن الرياح، وحتى عن النشاط الزلزالي للأرض.
كما تعتمد حاسة النظر القوية على رسم خريطة لمختلف المعالم
ذات العلاقة بالمباشرة بطريقها وبوجهتها النهائية.
ولمعرفة الدقة في تحديد المسار والطريق المتبع،
استعان الباحثون بأجهزة علمية تتيح (نظام التوقيع العالمي gps) المرتبط بالأقمار الصناعية
، عند إلصاقها على ظهر الحمام الزاجل لمتابعة مسارها في رحلتها.
وقد أثبتت شركة تعمل بتكنولوجيا المعلومات في جنوب أفريقيا،
إنه من الأسرع لها استخدام الحمام الزاجل في نقل المعلومات
عن إرسالها باستخدام خدمة الانترنت المحلية.
وذكر المتحدث باسم الشركة »بيتربول
«، بأن ذكر الحمام الزاجل استغرق ساعة وثماني دقائق
في نقل كارت ذاكرة سعته 4 »جيجابايت
« مثبت على ساقة في تنقله بين مكتبين لشركة »إنليمتد أي.تي
« يفصل بينهما 80 كيلومتراً،
واستغرقت العملية كلها،
من نقل الكارت ثم تفريغه بعد ذلك على جهاز الكمبيوتر مدة ساعتين وست دقائق و57 ثانية،
وهو الوقت نفسه الذي استغرقه نقل 4% من المعلومات باستخدام خدمة الانترنت المحلية.
ويتوقع مدرب الحمام الزاجل بمكان ومقر الشركة
، أن المزيد من التدريب سيمكن الطائر من توصيل المعلومات في 45 دقيقة.
يبدأ تدريب الحمام الزاجل على الطيران
عند اكتمال خمسة أسابيع من عمره،
عندما تكون الطيور جائعة،
ولمدة أقل من ساعة أي نصف ساعة على الأقل،
ويتم جلبها عن طريق إشارة وقت التغذية إلى أماكن أقفاصها،
حيث يتم السماح للحمام بالطيران مرتين على الأقل في اليوم
، وتستمر هذه العملية لمدة من ستة إلى ثمانية أسابيع
لكي يستطيع الحمام معرفة المنطقة التي تحيط به،
ويتم زيادة المسافة تدريجياً .
حيث توضع الطيور في قفص خاص
قبل إرسالها إلى المسافة البعيدة بيوم واحد،
وينصح أخذ الحمام لمسافة 2 كيلومتر من المسكن،
ويطلق الواحد تلو الآخر،
وبعد أيام قليلة تؤخذ الطيور لمسافة 4 كيلومترات ثم إلى 7 كيلومترات عن المسكن،
ثم يتم زيادة المسافات إلى أن تصل إلى 200 كيلومتر.
وهذه التدريبات
تزيد من تقوية عضلات وأعضاء جسم الطائر
التي تمكنه من اجتياز المسافات الطويلة،
بالإضافة لتقوية ذاكرته،
وعدم الخوف من السباق والاعتماد على نفسه.
ومن المميزات التي لابد من توافرها في الحمام الزاجل
، أن يكون منقاره رفيعاً ولونه أسود،
والفكان قويين ومستقيميي الحواف،
بحيث ينطبقان بقوة على بعضهما،
وأن تكون العينان حمراوين أو زيتية
مع هالة بيضاء حول الجفن،
وأن يكون الذيل قعيداً رفيعاً،
ويكون أطول من الأجنحة بمقدار السواد الموجود بالذيل،
ولابد وأن تكون الأرجل قصيرة
وقوية ومنتظمة وخالية من الريش
وأن تمتاز الريشة في الأجنحة بالقوة والصلابة عريضة وقوية.
ومن الشعر للفن السابع
، كان للحمام الزاجل الحضور المميز الذي يوظف العديد من معاني المشاهد
ويصعد الحدث والتعبير الدرامي
، ومن أهم الأفلام التي ظهر فيها الحمام الزاجل،
فيلم »عودة مواطن« بطولة يحيى الفخراني وميرفت أمين وأحمد عبدالعزيز وشريف منير،
سيناريو وحوار عاصم توفيق من إخراج محمد خان.
وظهور الحمام الزاجل في الفيلم
له بُعد سياسي لعبه بجدارة شريف منير
الذي كان منضماً لخلية تستخدم نقل المعلومات عن طريق الحمام الزاجل،
وتم اكتشافها من قبل بعض الذين أبلغوا عنه،
ويعكس الفيلم المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
في المجتمع المصري في الثمانينات من القرن الماضي.
وعلى البُعد الفلسفي،
فالحمام، مثله مثل أي طائر محلق،
يرمز لفكرة التحرر والانعتاق، وتحرير الفكر حتى يبدع ويتسامى.. جميعنا يحتاج للحظات يحلق فيها في العالي
، فمنه تكون كل المشاهد أوضح.. أجمل.. وربما أرقى. سباقات الحمام الزاجل
يعتبر رياضة الحمام الزاجل من الرياضات الممتعة
والتي تتطلب مهارة في تدريبه وتكنيك وأداء عالٍ
يهدف لدخول الحمام الزاجل في السباقات العربية والعالمية،
والتي تم حصد الجوائز المادية والعينية،
وقد استطاع الحمام الزاجل إثبات موهبته وتفوقه بطريقة استثنائية
ولهذا السبب يعشقه الملايين من الهواة والمحترفين
في تدريبه وتربيته في كل أنحاء العالم، وينظمون له السباقات المختلفة.
ومع الاستمرار في ممارسة سباقات الحمام الزاجل
، فقد تم تطوير مقدرته على الأداء العال لحمام خاص بالسباقات بعيدة المدى،
وظهور أجيال من الزاجل متخصصة في السباقات الشاقة
وقد سميت هذه السلالات بأسماء المربين والمدربين لها.
تبدأ سباقات الحمام الزاجل في دول الخليج العربي
في شهر نوفمبر وحتى نهاية شهر مارس من كل عام،
وفي السعودية تعتبر مزارع »المسرة«
أكبر مركز في العالم العربي في إنتاج سلالات نادرة من الحمام الزاجل.
صفات نادرة
* يتميز الحمام الزاجل بصفات سلوكية فطرية نادرة
تجعل له خصوصيته بين كل أنواع الطيور الأخرى،
فهو هادئ المزاج يكسره الإزعاج،
شديد الشغف بعضه لبعض،
يعشق صغاره وحريص عليها حرصاً شديداً،
شديد الحب لوطنه ومكان تربيته
، يتميز بذاكرة ثاقبة حديدية.
* يحب مدربه ويطيعه،
سريع التعلم، قليل الأكل،
يفضل أن يعيش في مجموعات كبيرة،
الألفة ومد الجسور فيما بينه وبين أفراد أسرته قوية.
* العناية به تأخذ شكل تدوين صفاته
وتاريخ التزاوج وتواريخ وضع البيض وتواريخ الفقس.
* طيور السباقات تتغذى بأغذية خاصة
تعتمد على خليط من الأعشاب والبروتين والكالسيوم
وقشور بعض من أنواع الأسماك.
* تقطع طيور الحمام الزاجل
ما بين 128 إلى 968 كم في اليوم الواحد
وبسرعة تزيد على 96كم/ساعة الواحدة.
استخدم الإغريق الحمام الزاجل قبل نحو خمسة آلاف عام تقريباً.